Dr. Mahdy Hamed
مرحباً بك زائراً أو عضواً فى منتدى الدكتور/ مهدى حامد لملخصات الابحاث والرسائل العلمية
Dr. Mahdy Hamed
مرحباً بك زائراً أو عضواً فى منتدى الدكتور/ مهدى حامد لملخصات الابحاث والرسائل العلمية
Dr. Mahdy Hamed
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

Dr. Mahdy Hamed

أهلاً بكم فى منتدى الدكتور مهدى حامد لملخصات الأبحاث والرسائل العلمية
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
لسرعة وسهولة التسجيل فى المنتدى يمكنك ربط حساب تسجيلك فى المنتدى بحسابك فى الفيس بوك عندما تكون صفحة حسابك مفتوحة....إدارة المنتدى
السادة الأعضاء ...مطلوب مشرفين لمنتدى الصحة والعلاج... و اللغة الإنجليزية ...وإختبارات التويفل ...و طرق إعداد وكتابة البحث العلمى ... و الكليات الإسلامية ... و الفنون التطبيقية والجميلة ... و الحقوق ...والحاسبات والمعلومات....إدارة المنتدى

 

 نمـــوذَجُ المحِـــبِّ الـــوَلهــَــانِ في مسرح عزيز أباظة

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
دكتور عبد الرحمن فايد
Admin



عدد المساهمات : 3
تاريخ التسجيل : 09/09/2011

نمـــوذَجُ المحِـــبِّ الـــوَلهــَــانِ في مسرح عزيز أباظة  Empty
مُساهمةموضوع: نمـــوذَجُ المحِـــبِّ الـــوَلهــَــانِ في مسرح عزيز أباظة    نمـــوذَجُ المحِـــبِّ الـــوَلهــَــانِ في مسرح عزيز أباظة  Emptyالجمعة سبتمبر 09, 2011 8:24 pm

نمـــوذَجُ المحِـــبِّ الـــوَلهــَــانِ في مسرح عزيز أباظة

إن سلطان العاطفة لا يقاوم ، وعاطفة الحب قاسم مشترك يشترك فيها كل حي، ومأدبة الحب لا تخلو من طلابها ، ما بيــن متذوق طعامها ، ومتنــاول ثمارها ، ومرتشف كؤوسها ، وقلما تبصر إنساناً لم يذق ألم الجــوى ، ولم يكتو قلبه بنار الحــب .
لقد شغل الحب فكـر كثيــر من المفكريــن بدايــــة بفلاسفــة الإغريــق وحتــى عصــرنا هذا ، " فـ " لأفلاطون " (1) في الحــب محاورة مشهورة تسمــى "المأدبة" أجــرى الحــوار فيهـا بين " سقراط " وبعض معاصريه مــن الفلاسفة ، والأطباء ، والشعــراء ، و السوفسطائيين ، ورجال السياسة ، وتعددت آراؤهم وذهبــت كل مذهب , فذكر أولهم : أن الحـــب أقدم الآلهة و أفضلها , فهو الذي يبعث في الإنسان الإحســاس بالشرف , وينمي فيه الإيثـار وروح التضحية , وفرَّق ثاني المتحاورين بين نوعين من الحب :
نــوع دنيء وضيع يلبي النزعـات الجنسية , وهو حب النساء , والحب الشاذ للغلمان , ونوع نبيل شــريف يخلو خلواً تاماً من كــل نزعــــة جسدية , أو شهوة بهيمية , وهو الحب التقي البريء , ذلــك الحب الذي يرتفع عن الصغائر ، ويتنــــزه عن الدنايا , ويفرق ثالث بين الحب الروحي الشريــف ، والحب الحسي الوضيع ، ويذكر رابع أن الكائنات لـم تكن في أصل خلقتها ـ كما هي الآن ـ ذكراً وأنثــى ، إنما كانت على شكل كرة تجمع ذكرا وأنثى فـي آن , لها أربعة أيد وأربعة أرجل ، ثم شطرت بعد ذلك فصار كل شطر يبحث عن صاحبه (2)
وقد أدلى العرب بدلوهم في هذا الأمر فكــان منهم من ساجل اليونان في أسطورتهم عن الحب ، وآخر ذكر : أنه لا يقع إلا لمجانس , وأنه يضعـف ويقوى على قدر التشاكل , واستدل بقول النبي - - : " الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف(3) , وقد كانت الأرواح موجودة قبل الأجسام , فمال الجنس إلى الجنس , فلما افترقت الأجساد بقـى في كل نفس حب ما كان مقارناً لها فإذا شاهدت النفس من النفس نوع موافقة مالت إليها ، ظانة أنها هي التي كانت قرينتها(1)
وللحب عند العرب منازل أولها : الهوى وهو الميل إلى المحبوب . ثانيها : العلاقة وهي الحب اللازم للقلب , وسميت علاقة لتعلق القلب بالمحبوب . ثالثها : الكلف وهو شدة الحـب . رابعها : العشق وهو فرط الحب , خامسها : الشغف وهو احتراق القلب بالحب مع لذة يجدها , سادسها : الجــوى وهو الهوى الباطن , وشدة الوجد , سابعها : التتيم وهو أن يستعبده الحب , ثامنها : الوله وهــو ذهــاب العقــل مـن الهوى , تاسعها : الهيام وهو أن يذهب على وجهه لغلبة الهوى وعند الأطباء نوع من " الماليوخوليا " (2)
والمنعم النظر في هذه الآراء من أساطير الأولين من الإغريق , وغيرهم ممن خلفهم عرباً كانوا أو غير عرب , يجدهم رغم اختلافهم يتفقون في التفريق بين نوعين من الحب : حب جسدي يهوي بصاحبه إلى طينيته , وآخر روحي يرتقي بنفس الإنسان مطهراً إياها من أدران الجنس, ومطالب الجسد . فالحب الأمثل عندهم هو حب الروح , فقد نقــل : " أن بعــض العشاق نظر إلى جارية كان يهواها فارتعدت فرائصه وغشي عليـــه , فقيــل لبعض الحكمــاء : ما الذي أصابه ؟ فقال : نظر إلى من يحبه فانفرج قلبه , فتحرك الجسم لانفراج القلــب , فقيـــل له : نحن نحب أهلنا ولا يصيبنا ذلك , فقال : تلك محبة العقل , وهذه محبة الروح (3)
وعلى الرغم من هذا الخلاف البين حول مضمـون الحــب ، فإن الحــب بوصفه مضمـــونا فكـــريا وإنسانيا قد احتكره – مـن قديــم الزمــن – أهل الأدب مـن الشعــراء , والمسرحيين , والروائيين , الذين وجدوا من أبعاده المتناقضــة , وسماتــه المتعــددة ، المـادة الخصبة لإقامة معظم أعمالهم الأدبية , التي شكلت الهيكل العام للأدب العالمي . وتباينت أساليبــهم فــي معالجـة هذا المضمون بين نظرة صوفية , ومعالجة شعرية , و بين منهج أخلاقي , ومنظور اجتماعي .
ولو نظر الباحث في المسرح – على وجه الخصوص – لوجد أنه قد اهتــم بالحب اهتماماً لا يمكن غض الطرف عنه , وخلَّف لنا نماذج خالدة , بداية بميلاد المسرحية في أحضان اليونان و حتى عصرنا هذا , فقدموا نموذج ( المحب الولهان ) الذي يبذل النفس والنفيــس قربانــاً لمن يحب , وتتواثب روحه شوقاً للقاء من يهوى .
إن سجل الكتاب والشعراء حافل بهذا النموذج الخالد على اختلاف مستوياته ؛ فقد صور "سفوكليس"(1) "هايمن" في مسرحيته (انتيجونا) , وصور" شكسبير" "روميـو وجولييــت" فــي رائعته التي تحمل نفس الاسم , وصور - أيضــاً – "فيردنانــد وإيزابيــلا " فــي (العاصفــة) , وصور " كورني" (سنا , ورودريج , شيميــن ) فــي مسرحيــة (السيد) , وقدم (راسين)(2) (بيرينيس, وتيتوس) , وصور "هيجو" (3) نموذج (هرناني ودونياسول ) .
إن العرب لم يحفلوا بفن المسرح إلا في عصور متأخرة , فقد حـلَّ بسـاحتهم مقدماً رجلاً ومؤخراً أخرى , وحاول الكتاب والشعراء أن يساجلوا الغرب في هذا اللون , فقدم بعضهم نماذج نمطية لا تشذ في شيء عن النموذج المثال(4) , ولا تحيد عنه قيد أنملة , وحاول الآخــر أن يقدمه على أن يصبغه بصبغته الخاصة التي تحمــل بيــن طياتهـــا سمــات عصــر وظروف مجتمع. فصور" شوقي" (5) ( كليوباترا وأنطونيو, وقيس وليلى ، وعنترة وعبلـــة) , وقدم " أباظة " ( قيس ولبنى , والعباسة , والحكم وشفق , و وداد ومهيب ، وبثينة ) .
ولقد تتبعت هذا النموذج في مسرح "عزيز أباظة " – موضوع الدراسة – فـوجدتـه قـد أخذ نصيب الأسد من جملة نماذجه , غير أنه متعدد المسالك والمشارب . فهذا محــب عــذري سلــب المحبوب عقله وأشرف به على الهلاك , وهذه أخرى قد وثقت صلتها بمحبوبها بــربــاط شــرعـي وتأبى العصبية إلا أن تقف حجر عثرة في طريق الوصول إليه , ثم لا يلبث هذا السعير المتأجج أن يستحيل إلى رفض لما أمرت به , فتشق عصا الطاعة , وتعلن التمرد وتبدو في كثير من مواقف المسرحية وقد احترق قلبها مما جعلها تتمنى أن لو كانت خادمة تسعد بحبها بدلا من كونهــا أميــرة هاشميــة تشقى بذلك , وهذه أخرى تُتَيم بحـــب عدو بني وطنها , وابن من قتل أباها , وتدور رحى الصراع فــي نفسهــا متــرددة بيــن الإقبــال والإحجام , و ما هي إلا عشية أو ضحاها حتى قدمت حياتها ثمنـا لذلك , وثمة أخرى تحظى بتوأم روحها , وتقف أم زوجها لها بالمرصاد , فما تلبث إلا وقد انهــدم بيتهــا , وبـــانت مــن زوجهــا , وآخر محب بكل جوارحه حتى نسي - في غمرة حبه وهو يناجي محبوبته بألحان شرب الليل عليها وسكر- واجبه كقائد عسكري حتى كاد أن يؤدي به ذلك إلى الهلاك ، وهذه تدفع عرضها ثمنا لنجاة حبيبها .
ولا يمكن لنموذج المحب الولهان أن يستمد معناه – في العمل الفني– من ذاته فحسب , وإنما يضاف إلى ذلك كونه عنصرا من مجموعة عناصر متلاحمة في العمل الفني مــن جهة أخرى , فله علاقاته بالشخصيات الأخرى في المسرحية , وله مواقـف وردود أفعال تجــاه الأحداث المسرحية , وينطق بآرائه الخاصة , ويجادل الشخصيات الأخـرى , وبدون النظر إلــى ذلك لا يمكن التعرف على الشخصية , وفهمها فهما دقيقا واعيا , وإلا فلـو حاولنــا فهمهــا - فــي ذاتها فقط - وربطها بالنماذج السابقة عليها ، لحولناها نمطا جامدا متكررا ليس له حياته الخاصة في كل عمل على حدة .
إن طريق المحبين ملبد بالغيوم مليء بالأشواك . وقد وضع " أباظة " عقبة أمــام نمـوذجـه محاولاً اقتحامها , وهذه العقبة تتمثل في قوة الخصم أو المنافس من ( القوى السـت المـعـروفة ), وكل نموذج من هذه النماذج يصارع من أجل الوصول إلى نقطة مهمة ألا وهي الهدف المنشود .
إن أول نموذج أنتجته قريحة " عزيز أباظة " نموذج ( قيس بن ذريح ) وهو فتى عربــي طغت عاطفة الحب على جميع قواه الأخرى . وهو أحد العذريين الذين يهبون حبهم معشوقة واحدة , يـرون فيهـا مثلهـم الأعلـى الذي يحقـق لهـم متعـة الـروح , ورضـا النفس , واستقرار العاطفة , وهو استقرار يجعل فتنتهم بواحدة تقف عندها آمالهم , فهي الهدف الذي يطلبونه , والغاية التي يسعون إليها(1)
والمسرحية تتكئ على عقدتين : عقدة أراد لها المؤلف أن تنحـل عراهـا دون الـوقـوف عندها لتجلية الصراع ، هي رفض " الحباب " تزويج " لبنى " " قيساً " إذ جرت العادة القبلية بعدم تزويج بناتها بالشعراء الذين يشببون بهن أي أنه أجـرى الصـراع بيـن الحـب المـكيـن وعادة غير وثيقة أو خالدة , يأتي احترامها من خارج النفس , من الجماعة أو العشيرة (2) .
والعقدة الثانية تتمثل في غيرة الأم من زوجة ابنها . ووجد " قيس" نفسه نهب صراع نفسي عارم , وعليه أن يختار بين حب لـ " لبنى " وبر بوالديه .
إن مـا يقاسـيه " قيـس" يسمـى صـراع الإحجـام (Conflictin Avoidance) " ويقصد به الصراع الناتج عن محاولة الاختيار بين هدفين كلاهما له جاذبية سلبية ، وفي مثل هذا الموقف يحاول الفرد إيجاد حل آخر لموقفه والهرب من موقف الاختيار بين أمرين أحلاهما مر" (1) . إنه إنْ اختار حبه أغضب أبويه , وإن اختار بر والديه طلّق امرأته . هو حقاً كما قال العراف عندما سأله " قيس" أن يبذل له رأيه , بعد أن استشرى الخطب , و أنشبت المنيــة أظفارها في حبه .

قيس : رأيَك فابذلْ أيُّهـــــا الطبيبُ
للعراف قـد زَلزلتْ ألبابَنا الخطـــــوب
إنَّ المصابَ قلَّما يُصيــــبُ
العراف : أمرانِ كالهـــلاكِ والثُّبــــورِ
قد عَظُم الرَّزء عـن التَّـــــدْبيرِ
وأشَكل الـرَّأيُ علــى المشــــيرِ (2)

إنه كلما قويت الأطراف المتصارعة رأينا صراعا شديدا , وقد رأينا صراعا يهز " قيساً " في الصميم , يقيمه ويقعده ويزلزل أعماق نفسه , فالحرب التي أعلنت عليه تولى كبرها والداه , وهو لا يستطيع أن يختار حبا على أنقاض بر بأبويه , أو يختار براً بوالديه مضحيا بحبه, الأمر الذي جعل نفسه تنشطر بين عاطفتين ، فالاختيار صعب . إنه يعلم علم اليقين أن الحجــــج التي تقوّلها والداه حجج واهية لا تقوى أن تقف على ساق , إنه الظلم الصراح لامرأة ليس لها ذنب إلا كما قال أشجع ..

أشجع : لاعيبَ فيها غيرُ خُلُـقٍ كَــاملٍ أرأيتَ منْ نَقَصَ الكَمَــالَ وعَابــا (3)

ولكن ماذا يفعل أمام هذا الضغط الأبوي الرهيب , إنهما هدداه – وقد أيسا من استجابته لهما – أن يخرجا إلى العراء منتعلين الرمال , مستظلين بحر الشمس , مطوفين بالقبائل والقرى , شاكين للناس ظلم " قيس" .
ذريح : أبْشِرْ إِذَنْ بِفَضِيحَةٍ مِلْءِ الدُّنَــا يَفْنَى الزَّمَانُ و عــَــارُها يَتَجَـدَّدُ
في هياج شديد لنْ تَحتوينـا أَربُـعٌ ومنــازلٌ باتت تَضُمُّكمو فقَرُّوا و اسعَــــدُوا

أم قيس : فإذا أظلَّكمـو النَّعيــمُ بوارفٍ فَيْنَانَ ظَلَّلَنَـا الشَّقَــاءُ الأنْـكَـــدُ
وإذا غَفَوتُمْ بينَ أحْضَانِ الهوى بِتْنَا و نحنُ الواصِـبونَ السُّـــهَّـدُ
ذريح : سنظلُّ نَنْتَعِلُ الرِّمَالَ على الطَّوَى عَانِينَ نُتْهِمُ في البِـلادِ و نُنْـــجِـدُ
نَرِدُ القَبَائِلَ والقُـرَى نَشْكو لَهَـا
أم قيس : وبكلِّ ذِي أُكرُومةٍ نَسْتنــجِدُ (1)

ذكر صاحب الأغاني : أن هذا الصراع دام عشر سنين ، يستأذن " قيس" عليهما فيردانه ، ويخرجان إلى العراء فيخرج " قيس" يقيهما حر الشمس ، فإذا غابت الشمس رجع إلى " لبنى " فيبكيان إلى أن تطلع شمس اليوم التالي فيفعل فيه ما فعل أمس(2) , وإذا كان العلماء قد ذكروا أن أهم مراحل الصراع في المسرحية تلك التي يبدأ عندها ما يسمى (نقطة الهجوم) وهي تلك النقطة التي يكون فيها كل شيء حيوي مهم معرضا للخطر(3). إن الهجوم العنيف (Antagonist) الذي تعرض له " قيس" زاد من حدته أن الخصم هما أبواه , وهو البار بهما, وليس لهما سواه , فماذا عساه أن يفعل , هل يترك أبويه بين يدي التشريد والإذلال ؟ أو يترك " لبنى " كعبة الأحلام والآمال ؟

قيـــــــس : أينَ الكمــــالُ ! هــــل مـــن الكمــــــــالِ
تَركـــــي أُمـــي وأَبــــي وآلِـــــــــي
بيــــــنَ يــــــدِ التَّشـــريـــــدِ والإِذْلالِ
وهُــــزُوا لشَـــــامـِـــتٍ وقــــــــالِ ؟
ذلــــك جــُــــرحٌ غيـــــرُ ذي انـــدمــالِ
قيــــس : إنْ ذهبـت لبنـــى فأصــــل مــــالـــــــي
مستمرا و معقـدُ الــرَّجـَــــــــاءِ والآمـــــــــالِ
وكعبـــــةُ الأحـــــــــلامِ والخيَـــــــالِ
و إنـَّــــــه لأبْعــَـــــدُ المُحــــــــالِ(1)

وبعد وصول الصراع إلى نقطة التأزم , استحكمت الحلقة حول عنق البطل , فكان لابد من حل , والحل هو البتر .

عامــــر : هلْ من عــــــــــلاجٍ ؟
العراف : العـــــلاجُ مُــــــــــرُّ
قد يدفَــعُ الشـَّـــــرَّ الغـَـــــدَاةَ الشـَّـــــــــرُّ
الـــــــــدَّاءُ طــــــاغٍ والــــدَّواءُ البَتْــــــرُ
قيــس في إعياء: البتـــــــرُ؟! أيُّ البتـــــرِ يـــــا رِفـَــــاقـِــي
عامـــر : لعلَّــــه يَكْنــِـــي عـــــــن الفـــــــــــراقِ
في احتراس وحيرة
أشجع : بــــل قــُــلْ ولا تَــــوجــــل عــنِ الطَّــــلاقِ(2)

وهو حل يوافق حالة " قيس " فقد طلق " لبنى " وقلبه معلق بها ، طلقها ليرضي أبويه, فبينما ينتصر الواجب على الحب بطلاق لبنى إلا أن هذا الانتصار لم ينبع- من قلب البطل , فما زالت العاطفة تقود خطاه , وما ألم بـ " قيس" بعد الطلاق خير دليل على ذلك , فما حدث له ليس وصفا لصراع كابده بقدر ما هو ندم أعقب الاستسلام .

قيـس: ....... أين قيـــسُ الـَّـذِي تَدْعــوه ؟ قَــدْ زَالـــتِ الليـالي بقيـسِ
كنـت في ناعمٍ من الدَّهرِ أُضْحـي وعلى مُونقٍ من العيـشِ أُمسـِــــي
بيــن وَشْــيِ الهـوى وفـي حُلَلِ الرِّفــهِ ولبنى رَاحِـي ورُوحي وأُنسْــي
أين رَوضي الَّـذي سَقيتُ بدمعي ؟ أيـن ظِلِّـي الَّــذي مَدَدتُ وغَرْسِـي ؟
أيـن عُــشٌ قَضَيْتُ فيـه ولبنى سنواتٍ مـرت كَلَيْـلةِ عُـــــرْسِ ؟
زال عنـه هَـزَارُه وجَفَــــاهُ فَتَداعـى مابيـــن يـــومٍ وأمـسِ
يا أخي أشجـعُ الكريمُ ويا عامرُ قـد طـمَّـتِ الرَّزيئةُ كأْسِــــــــــي
علِّلانـي بالمـوت يَعصِــف بالمشبوبِ من لـوعَتـي و يحســـمُ يأْســـي
ذلك العالمُ الفسيــــحُ المُـدوِّي عـادَ في ناظــريَّ موحِشَ رَمـــسِ
ما رمــاني رامٍ فَـأَقْتَـص منـه أنا نفـسي الذي عصفتُ بنفســـي(3)

إن بعض النقاد (1) استدل بهذه الأبيات وغيرها على أن " أباظة " قد كتب هذه المسرحية تحت تأثير العامل الشخصي وهو فقده لزوجه , وإحساسه العميق بما أحدثه ذلك من أثـــر في حياة أسرته . هذا فضلا عما جاء في المسرحية من أبيات ضمنها ديــوانـــه " أنات حائرة " الذي ضمنه غرضا واحدا وهو رثاء زوجه . إنك لو أنعمت النظر في نهاية الموقف المسرحـــي السابق أحسست أنه لا يتكلم عن زوج طلقها بقدر ما هو يرثي زوجة ماتت . وقد ذكــرت ابنــة الشاعر أن والدها قد شرع في كتابة هذه المسرحية قبل وفاة زوجه , ولكنه أتمها بعد وفاتها(2) لكن كيف يكون قد كتب هذه المسرحية متأثرا بوفاة زوجه وهو في الحقيقة قد بدأ كتابتها قبل وفاتها ؟ إنه قد يكون بدأ كتابتها بالفعل قبل وفاتها , وبعد وفاتها أعاد النظر فيما كتب مضيفا إليه من المواقف الدرامية والحوار ما يخفف عنه وطأة فقد زوجه . ولكن الباحث وقف متسائلا : إن كان " أباظة " قد تأثر في هذه المسرحية بوفاة زوجه ، فلماذا لم يأت بنهاية مشاكلة لنهاية مأساته ، كأن يختار موت العاشقين أو أحدهما نهاية لمأساتهما ؟ فأقول إنه وإن كان قد ماتت زوجه ، إلا أن هناك صوتا خافيا ورغبة ملحة تتمنى أن يكون ذلك كله وهماً خادعا سرعان ما يزول , إنه إن شقي في الواقع لا يتمنى أن يشقى في الخيال ، ولا يريد لنموذجه - وهو المعادل الموضوعي له - أن يشقى ، بل رد له محبوبته وأنهى الرواية بذلك .
إن الإنسان إذا وجد الحاضر واقعا لا يعاش فإنه يهرب إلــى ماض سعيــد يعيــش في كنفه , وإذا وجد في الواقع مرارة لا تطاق فإنه يهرع إلى خيال يأمن في ظله , إن (لا وعي) الشاعر قد أخذه من دنيا الواقع إلى دنيا الخيال التي يرى فيهـــا أن هــذا الــذي حدث ما هو إلا سنة من النوم يصحو منها فيجد زوجه إلى جواره . وإذا كان " العنصر الأدبي غايــته أن يعبـر عن العواطف التي يحسها المؤلف , أو يخلعها على شخوصه حريصا أن تكون من الجدة بحيث تعد أصيلة , ومن التوافق مع التجربة بحيث تعد صادقة(3), والأديب لا ينبغي أن يبث أفكــاره أو يصور تجربته تصويرا مباشرا , بل يبحث عن معادل موضوعي لتجربته الشخصية ليكسبــها صفــة الشمـــول والمــوضــوعية , ويضمن صدقها وتنحية ذاته عنها. (4)
و" أباظة " قد وجد في " قيس " الأرض الخصبة التي يبزر فيها عواطفه ، مما يوحي بأنه كان معادلا موضوعيا لـه، وهذا ما ينبغي أن يفعله المؤلف حتى لا تتحول الشخصيات إلى أبواق تنطق بأفكار المؤلف , أو دمى يحركها إصبعه , بل يبث أفكاره بطريقة خفية غير مباشرة , حتى نشعر بأن شخصياته تتحرك بحرية .(1)
إن " قيس " يصوره " أباظة " في صورة السلبي ، وذلك بالمقارنة مع التاريخ ، فبينما يذكر التاريخ مدى المعاناة التي كابدها " قيس " ، ليبقي لنفسه ولـ " لبنى " ذلك الخيط الرفيع بين البر والحب ، فيظل قابضا على الجمر طيلة عشر سنين ، إذا بـ " أباظة " يمضي بتلك المرحلة ويسير بها سيرا حثيثا ، دون أن يركز على صراع كابده ، أو عناء عاناه ، مما جعل الباحث يظن " قيس " من هذا النوع السلبي ، وكأني به ذلك البطل المأساوي الذي يقع في الخطأ رغما عنه لا لذنب اقترفه ، وإنما لضعف أو عيب في تكوينه .
وإذا ما ترك الباحث " قيس " إلـى معشوقته " لبنى" وجدها تمثل قوة الهـدف المنشود من القوي المسرحية . إن هذا النموذج – مـــع وجـود مواقف صالحة لنشوب الصراع - لم نحس بأي مظهر من مظاهر الصراع , إنها تعرضت لأشياء تزلزل الإنسان من كيانه وتصيبه في الصميم , إنها لا تملك أمــام ذلك إلا أن تشكــو إلــى الله ظلم العباد . إنها مذ قبلت " قيسا " زوجا وهي تعلم تمام العلم أن والديه لن يرضيا عنها , ولمَ لا وهما اللذان رفضا أول الأمر هذه الزيجة , و" أباظة " في نهاية الفصل الأول إذ يذكر الإنجاب كنتيجة من نتائج أي زواج , وعامل رئيس من عوامل ديمومته , يضع لنا أساس أزمة نفسيــــة تتعرض لها " لبنى" وهي عدم الإنجاب , ويجعل ذلك على ألسن أهل القبيلة وهم ينشدون فرحين بخِطبة " قيس و لبنى "
عــــزة : صفا العمـرُ فاستمْتعا وانعمـا
لقد كفَّر الدَّهـرُ عنْ سَعْيــهِ فأَدْرَكْتمَا مــا تَمنَّيتُمــــا
ألا عِشْتُمَا في ظِلال النَّعيــمِ وأَنْجَبْتُمَا
الجميع (في مرح): ثُمَّ أَنْجَبْتُمَـــــا
.....وأيضا قولهم مخاطبين " لبنى" :
يا نَغْمَـــة الشَّـــــادي تحـــتَ الدُّجــى غَنَّــى
يــا نبْعـــةَ الــــوادِي يــا غُصْنـَـهَ اللُّــدنــا
يا هَمســـةَ النَّجــــوى أفضــى بهــا المُضنــى
يــا قُبْـــلــةَ الطَّـــلِّ روَّى بــــها الغُصْنَـــا
عمَّـرتِ يـــا لبنـــــى أنجَبـتِ يـا لبنـــــى (2)
إن أم قيس قد اتخذت من عقم " لبنى" ذريعة لتقويض بيتها , ولكن ليـس هـذا هو السبب الأساس لكراهية أم قيس " لبنى" , فالسبب هو غيرة الأم من زوجة الابن إلا أن " أباظة " صرح بدخيلة الأم مباشرة , ولو جعل ذلك خفيا بحيث لا يظهر إلا من طرف خفــي مــن حديــث نفــس مثــلا , أو يظهر رغما عنها في كلامها ( زلة لسان ) لكان أحرى .
إن الرواة ذكروا أن أم " قيس" لم تخض المعركة ضد زوج ابنها باسم الحب الذي سلبته الزوج من الأم , ولا باسم الرعاية التي صرفها الابن إلى زوجه بدلا من أمه , ولا باسم تقتير الابن على والديه , في الوقــت الــذي نعلم فيه أن الأبوين كانا في يسر لا يمكن أن يشكوا معه عسرا أو تقتيرا , وإنمــــا قــادت الأم هــذه المعركة في مكر ودهاء , وتظاهر كامل بالتجرد لكي تستخدم عقم الزوجة وحرص " ذريح " على الولد , في تقويض حياة تلك الزوجة , والتخلص منها بالطلاق واسترداد الابن ومحبته (1) ، بينما يستهل " أباظة " الحملة بحديث أناني للأم يفضح أهواءهـــا المغرضـــة فضيحة كان من الممكن أن تظل طي الكتمان(2)

تقول أم قيــس: المالُ مالُ أبيك كيف حبستَــهُ عنَّا وسُقت لها الحُلى و الجَوهرا
نبدو بأخلاقِ الثِّيابِ وترتــدي لبنى الدِّمقسَ مُفَـوَّفًا وُمـدَنَّـرا
وإذا مرضنا عُدْتنا مُتَثاقِـــلا وتكاد إن وُعِكَت تذوب تَحَسُّـرا
ذريح : وإذا دَخَلت الدَّارَ لم تعبـأْ بنـا ودعوتَها فرحًا بها مُسْتَبْشِــرا
وتراكَ لبنى مُقْبِلا مُتَهَلِّـــلا في حيـن لا نَلْقَاكَ إلا مُدْبـِرا(3)
إن " أباظة " قد أدار نفس الصراع الذي أجازه " شوقي" في ( مجنون ليلى ) ، فقد لجأ " أباظة " إلى إبراز هذه المعركة الدائرة بين العامل النفسي الذي ينبع من دافع إنساني قوي فردي متأصل في النفس البشرية وبين عامل أخلاقي قد يكون وضعيا فهو غير مغروس في أعماق النفس البشرية ,إذ ينبع من عرف الجماعة , أو القبيلة ( العشيرة ) , وهو ما يتفق على تسميته بأدب المواضعة (4).
إن موقف التخيير تعرضت له " ليلى ولبنى " , إلا أن لكل منهما موقفا مغايرا , فعندما خيرت " لبنى " بين الحب والواجب ( الوضعي ) الذي يأتي احترامه من خارج النفس اختارت الحب دون تردد أو صراع , وكأنها امرأة ذات عاطفة واحدة , إن عاطفتها كانت تسير في اتجاه واحد , فليست مشتتة بين أمرين .

ابن أبي عتيق : عِمـْـتِ مساءً ربّـةَ الكمَــــــــــــــالِ
جِـئتُ بِقَيْـسٍ مُشـــــرِقَ الآمَـــــــــالِ
يَسْعَـــى إليـــكِ فــي الشـبـابِ الحَالِــــي
سألتُ ذَاتَ الطُّــــهـرِ والجَمَـــــــــــالِ
أَلا أجَازَتْ خطبــةَ الرِّجــَـــــــــــــالِ
بِبَسْمَــــــةٍ تُعْــــــرِبُ كـــالمَقَـــالِ
إِنَّ الحســـيْنَ لِفَتَـــــــــــــــاكِ وَالِ
وَكَالِـــــــئٌ أنْعِــم بـه مِــنْ كَالِـــــي
وأَنـتِ عِنْـدَهُ العَزيـــزُ الغَــــــالِـــــي
لبنى : ذَاكَ وَرَبِّــــي مَوْضِـــــــعُ اخْتِيَــالـِــي
مَـنْ كـَـانَ رَاعِيـــهِ فَفِـــــي المَعَالِــــي
يَــرْفـلُ بَينَ العِـــزِّ والإِقْبَـــــــــــالِ (1)

إن " لبنى " تختار الحب على تقاليد القبيلة دون تردد ، وذلك لأنها تعرف قيمة هذا الحب إلى جانب هذه التقاليد . وقد كان " أباظة " صادقا مع " لبنى " كما كان " شوقي " صادقا مع " ليلى " فكل منهما صور نموذجه كما ورد ذكره في التاريخ ، فقد كانت " ليلى " ذات مكانة في قبيلتها ، ومن كان في هذه المنزلة يفترض أن يكون أكثر حرصا على عادات القبيلة وتقاليدها ، بخلاف " لبنى " ، لذلك قدمت " ليلى " الواجب على الحب ، ولكنها لم تكن صادقة مع نفسها في هذا . فلم تختر مقتنعة بهذا الاختيار ، الأمر الذي جعلها مترددة بين أمرين موزعة بين عاطفتين , فأحيانا تنسى تقاليد مجتمعها , وتخلص لهوى " قيس" , فيقال عنها :
ليلـى علــى دِيـــنِ قيــــسٍ فَحيثُ مَالَ تَميـــــــلُ
وكُلُّ مـَـا سـَــرَّ قـَــــــيسًا فَعِنـدَ ليلـى جَمِيــــلُ (2)
وأحيانا تنغمس في جو الأسرة والقبيلة ويتيقظ في نفسها شعور قوي بالحرص على التقاليد .(3) ، ذلك الحرص تأتَّى من مكانتها في القبيلة ، وأن الجميع ينظرون إليها على أنها تقيم لهذه التقاليد وزنها ، لذلك كثيرا ما تتردد بين الحب والواجب حتى وإن انتصر الواجب ، إلا أنه لم ينتصر في نفسها فهذا الانتصار ظاهريا فقط ، إذ تظل هذه العاطفة هي المسيطرة ، والمتحكمة في مصير البطلين (1) .
إن " ابن عوف " جاء وسيطا لـ " قيس" عند " المهدي " , ووكل لها حق الاختيار, فاختارت الواجب في عزم وتصميم لا يترك للعاطفة ظلا ، وتظهر بمظهر المقتنع بتلك التقاليد إبقاء على شرفها .

المهدي : هُوَ الحُكْـم يَا لَيْـلَ ما تَحْكُمِيــــن خـُذِي في الخِطَـابِ وَفـي فَصْلِــهِ
ليلى : أَقَيْسًا تُرِيــــد ؟
ابن عوف: نَعَـــــــمْ !
ليلى : إِنَّهُ مُنَى القَـلبِ أو مُنْتَــهَـى شُغْلِــهِ
وَلَكِنْ أَتَرْضَى حِجَابِــي يُــــزَالُ وَتَمْشي الظُّنونُ علــى سِدْلـِــهِ
وَيَمْشِي أَبِـي فَيَغُـضّ الجَبِيــــنَ وَيَنْظُر في الأَرْضِ مــــنْ ذُلِّــهِ
يُدَارِي لأَجْلِـي فُضُــولَ الشُّيُــوخِ وَ يَقْتُلُنِي الغَـــمُّ مـــنْ أَجلِــهِ
يَمِينـًا لقيتُ الأمرَّيْـنِ مِــــــنْ حَمَاقةِ قَيْسٍ وَمِــــنْ جَهْلِــــهِ
فُضِحـْتُ بِهِ فِــي شِعَـابِ الحِجَازِ وفِي حـزْنِ نَجْـدٍ وفـــي سَهْلِـهِ
فَخُذْ قَيْـسَ يَا سَيِّـــدِي فِي حِمَـاكَ
في حياء وإباء : وَأَلْقِ الأَمَانَ عَلَـــى رَحْلِــــهِ
وَلا يَفْتَكِرْ سَـاعَـةً بِالـــــزَّوَاج وَلَوْ كانَ مَرْوَانُ مـنْ رُسْـلِــهِ (2)

إن الصراع الذي يدور في نفس " ليلى" صراع بين العاطفة وواجب مراعاة التقاليد الجاهلية البالية التي لا تؤمن " ليلى" لها بقدسية ، ولكنها تجاريها ظاهريا خوفا على مكانة أبيها ومكانتها في قومها ، فهي التي اشتهر عنها بأنها تعطي هذه التقاليد حقها ، وتقدرها قدرها .


تَصُونُ القَدِيــمَ و تَرْعَى الرَّمِيم وَتُعْطِي التَّقَالِيــدَ مَـا توجَبُ
وَبِالجـَـاهِلِيـَّـةِ إِعْجَابُهـَــا إذا قـَـلَّ بالسَّلفِ المُعْجَبُ (3)


فليلى تخشى هذه التقاليـــد، ولكنها في الوقت ذاته لا تعتد لها بقيمة. ولهذا يظل الصراع من هذه الناحية خارجيا تخضع له " ليلى" دون أن تتجـــاوب داخليــا معـه ، وهـو - مـن أجل ذلك - صراع ضعيف في طبيعته , ضعيف في تصويره .(1)
إن تجاذب " ليلى" بين الحب والواجب لم يكن وليد لحظة الاختيار، وإنما استبانت ملامحــه فيما سبق ذلك من مواقف , فهي تقول ردا على رسالة " ابن ذريح " :

ليلى : أنَـا أَوْلـَى بـِه وَأحْنَـــى عَلَيْـــهِ لَو يُـدَاوَى بـِرَحْمَتِــي والتحنِّـي
يَعْلَــــمُ اللهُ وَحْــدَهُ مَـا لِقَيْــسٍ مِنْ هَوًى فِي جَوَانِحي مُسْتَــــكِنِّ
إِنَّنِي فِـي الهَوَى وَ قَيْــسًا سَـــوَاءٌ دَنُّ قَيْــس مِنَ الصَّبَابَــةِ دَنِّــي
أنَا بَيْـن اثْنَيْــن كِلْتَـاهُمَـــا النَّـ ـارُ فَـلا تَلحَنـي وَلَكِـن أَعِنِّــي
بَيْن حِرْصي عَلَى قَدَاسَـةِ عِرْضِـــي واحْتِفَاظِـي بِمـَنْ أُحِـبُّ وَ ضَنِّي(2)

وكما سبق فإن هذا التردد ليس إلا قناعا خارجيا لهوى متمكن من القلب ، فهاهي ذي حين تخلو إلى خلصائها تبثهم حرارة حبها وألم وجدها .

ليلـى (ردا بشر) : حَدِيثُ الظَّبْــيِ والذِّئـــبِ وَقَيْــس لســتُ أنْسَــاهُ
زِيَــــادٌ عَنْــهُ نَبَّانِـي ولا يُنْبيــــكَ إلاهُـــو
رَأى قَيْسٌ عَلَــى رَابِـــ ـيـَـةٍ ظَبْيـًـا فَنَـــادَاهُ
فَأَلْقَـــى الظَّبْــيُ أذنَيْـهِ وَمَسَّ الأَرْضَ قَرْنَـــــاهُ
بروحِـــي قَيْسُ هَلْ رَاحَتْ ظِبَــاءُ القَــاعِ تَهْـــوَاهُ
وَهَــلْ يَــرْثِـي لَهُ الريمُ وَلا أَرْثِــــي لِبَلْــــوَاهُ ؟ (3)

وإذا أمنت أعين الرقباء دافعت عنه عند أبيها دفاعا حارا , فهي تجيب على أبيها عندما حذرها من رؤية الناس لهم
المهدي : يَرَانَـــا النَّـــاسُ يَا لَيْلَـــى
ليلى : أَبـِـي انْفِ النَّاسَ مِنْ فِكْرِكْ
هُنَا لا تَقـَـــعُ العَيْــــــنُ عَلَى غـَيْــرِي وَلا غَيْـرِكْ
ولا يَطْلُــــــــعُ إِنْسـَـانٌ عَلَى سِــرِّي وَلا سِـــرِّكْ
وَلا أَجْـــدَرُ مِنْ قَيْــــــسٍ بِإِشْفَــاقِـكَ أَوْ بـِـــرِّكْ
أَبـِــي صَـــدْرِيَ لا يَقْــوَى فَأَسْنِــــدْه إِلَــى صَــدْرِكْ
وتقول ردا على والدها - أيضا – حين طرده
المهـدي : حَسْبُــكَ فَاذْهَــــبْ لا تَطـَأْ لِـي بَعْـدَ العَشِيَّـــــةِ دَارَا
ليلى : أبتي لاتجر على قيس
المهدي : لِمْ لا
إِنَّ قَيْسـًا عَلـَى القَرَابَةِ جَــارَا
ليلى : أَبَتِي مَا تَرَاهُ كَالفَنَـــنِ الـــــذَّا وِي نُحولا وَكَالمَغيبِ اصْفـِـرَارَا؟
وَتَأَمـَّــلْ رِدَاءَهُ وَيَـــــدَيْـــه تَجدِ النارَ أَوْ ترَى الآثـَــــارَا
أَبتي دَعْــــهُ يَسْتـــــــرِحْ .............................. (1)

ويظل هذا الصراع في نفس" ليلى" خبيئا لا نرى إلا مظاهره الضئيلة ، حتى قبيل منظر تخييرها بين " قيس " و " ورد " . وهنا يلجأ " شوقي " إلى حديث بين ثلاثة رجال عن " ليلى " ممهداً بذلك لموقفها الحاسم في المسرحية .

فيقول أولهم : وَلَيْلَى ابْنَة ُالشَّيـْـخِ مَا رَأْيُهَـــا؟ أَمَا مِنْ حِسَابٍ لَهَا يُحْسَــــبُ
فيجيب الثاني : أَرَاهَا وَإِِنْ لَمْ تـَخَــطَّ الشَّبَــابَ عَجُوزًا عَلـَى الرَّأيِ لا تُغـــْلَبُ
تَصُونُ القَـَدِيـــمَ وَتَرْعَى الرَّمِيمَ وَ تُعْطِي التَّقَاليــدَ مَا توجــبُ
وبالجَاهِـلِيَّـةِ إِعْـجَابُهَـــــا إذَا قلَّ بِالسّلَفِ المُعْجَـــــبُ
وَ مِنْ سُنَّةِ البِيـدِ نَفــْضُ الأكُـف مـنَ العَاشِقِــينَ إِذَا شَبَّبُــوا
فَلا تـَعْجَبُــوا إِنْ جَـرَى حَـادِثٌ يُحَدَّثُ عَنْــــه وَيُسْتَغـْـرَبُ
وَإِنْ رَضِيَتْ ورْدَ بَعْــلا لَهَـــا وَقـَيْــسُ الأحَبُّ لَهَا الأَقـْرَبُ
فـَيَا طَـَالَمَا التـَمَسَـتْ مَهْرَبـًا وَأَرْضُ ثقِيفٍ هِيَ المَـــهْـربُ (2)
وإذا كان أحد النقاد يذكر أن : هذا المنظر حكاية عن الصراع النفسي عند " ليلى " , يضعف شعورنا بقوة الصراع في ذاتها . ولو انتفع " شوقي " بالخبر المروي في تاريخ " ليلى " - من أن أهلها خيروها بين " قيس " و" ورد " وهددوها بالتمثيل بها إن لم تختر " ورد "(3) - فعرض لنا حيرتها على أثر هذا التهديد في منظر يبين حركتها النفسية في موقفها،لكانت المسرحية أقوى وأكثر حياة (4) ، إلا أن تجاهل " شوقى " لهذه الرواية يقوي لدينا الإحساس بأن الصراع نابع من نفس " ليلى " دون مؤثر خارجي .
ويأتي الندم بعد الاختيار وكأن " ليلى " استسلمت لنزوة عابرة في تحمسها في الدفاع عن تقاليد ليست لها في الحقيقة قيمة لديها , فسرعان ما تفيق بعد أن يتم الاختيار . فتعبر في مرارة عن ندمها تعبيرا فيه نذير اليأس القاتل الذي يهدد بالكارثة .

تقول ليلى : رَبـَّاهُ مَاذَا قـُلتُ مَاذَا كَــانَ مِــنْ شأْنِ الأَمِيرِ الأَرْيَحـِـيِّ وَشـَانِي
فِي مَوْقِفٍ كَانَ ابْنُ عَوْفٍ مُحْسِنـًــا فِيهِ وَكنتُ قَلِيلةُ الإِحْسـَــــانِ
فـَزَعَمْتُ قَيْسًا نَالَنِي بـِمَسَــــاءَةٍ وَرَمى حِجابِي أَوْ أَزَالَ صِيَانِــي
والنَّفْسُ تَعْلمُ أنَّ قَيْسـًـا قـَـدْ بَنَـى مَجدِي وَقيْسٌ للمَكارِمِ بَانِــــي
لَوْلا قََصَائِدُه الَّتِي نَوَّهـن بـِــــي في البيدِ مَا عَلم الزَّمانُ مَكَانِــي
نَجْدٌ غَدًا يُطْوى وَيَفْنـَى أَهْلـُــــهُ وَقَصيدُ قيسٍ فِيَّ لَيْسَ بِفَانـِــي
مَالِي غَضِبْتُ فَضَاعَ أمْرِي مِنْ يَــدِي وَالأَمْرُ يَخْرُجُ مِنْ يَدِ الغـَضْبَـانِ
قـَالوا انظُرِي مَا تَحْكُمِيـــن فَلَيْتَنِي أَبْصَرتُ رُشْدِي أَوْ مَلَكتُ عِنَانِـي
مَا زِلْتُ أَهْذِي بِالوَسَاوِسِ سـَاعـَـةً حَتّى قَتَلْتُ اثنين بِالهَذَيـَـــانِ
وَكَأنَّنِـــي مَأمُورةٌ وَكَأنـَّمَــــا قـَد كَان شَيْطَانٌ يَقُودُ لِسَانِــي
قَدَّرْتُ أَشْيَــــاءً وَقَدَّرَ غَيْرَهَـــا حَظٌّ يَخُطُّ مَصَايِرَ الإنْسَـــانِ (1)

وليس في هذا المنظر وصف صراع , ولكنه الندم الذي يعقب الاستسلام . و" ليلى " فيه ضحية القدر الذي لا يغلب . وفي هذا ما يرجع بشوقي إلى أقدم عهود المسرحية اليونانية , حيث كان الإنسان دائما ضحية للقدر . وهو دليل على أن الصراع النفسي لم يتمكن من نفس " ليلى " ؛ كما أنه دليل على أن العاطفة لم تهزم على أثر الاستسلام . فظلت " ليلى " وفية لعاطفتها التي تؤمن بها كل الإيمان(2)
وإذا ما حاول الباحث أن يقارن بين هذا الموقف من " ليلى ولبنى " " لشوقي وأباظة " , وبين موقف " لبنى " (3) لـ " إبراهيم عبد الفتاح " , وجد أن الأخيرة تلتقي مع كل واحدة منهما من ناحية , فعندما وكل إليها الاختيار فإنها قدمت الحب على الواجب بعد محاورة عقلية حكيمة مع والدها .

الحباب: فيا لبنَ هل يُرضيكِ ما قال جَارنا أتبكِين؟ ما يبكيكِ؟
تقول وهي تبكي: لاشَيء يا أبـِــــــي
الحباب: علامَ البكَا يا لبنَ قُولِي ووضِّحــي لي الأمرَ في صدقٍ ولا تَتهيَّبـــــي
لبنى في جرأة: رفضت أبِي من جَاء يُخطب ودنَّـا بصدقٍ وإخلاصٍ وحسـنَ تــــأدبِ
لقد صِرتَ عوناً للحواسدِ يَا أبـِـي وأشمتَّ عُذَّالي وضَيَّقت مذهبِـــــي
إذا جاءكَ الواشُون بالشِّعر كاذبــاً سمعــتَ لهــمْ ما لفَّقــوا لم تكذبِ
رضاكَ بقيسٍ يُخرس الألسنَ الَّتـي تسيءُ فيبقَى الشـرُّ غيرَ مشعــــبِ
أعندكَ شكُّ في حفاظِي وعفَّتِــي أعنـدكَ بنْـت بعـدُ لـمْ تتهـــذبِ
أبي أنتَ بالرَّفضِ العنيفِ أهنتَنِـي وأظهرتَنِي في مظهرٍ غيــرِ طيــبِ
وصدَّقتَ قولَ المفترِي وجعلتَنِــي محلَّ اتّهامٍ منْ أناسِي ومنْ أبـِـــي
وتقول :أتسمعُ قـولَ الوشاةِ اللئَـــــامِ وتملأُ بالحـزنِ قَلبِـي وعينِــــي
أترْضَـى التقاليـدَ يا والــــدِي وتحرمنِي رحمــةَ الوالديــــنِ (1)

إنها لا تعترف بهذه التقاليد - كـ " ليلى " - , إذ لو أنها جعلت من التقاليد عائقا أمام زواجها لظهرت بمظهر غير طيب , وجعلت نفسها موضع اتهام , إنها لم تختر دون تعليل , بل عللت سبب اختيارها تعليلا له وجاهته .
إنها لا تقع نهب صراع نفسي بين حب وواجب , فالطرف الثاني من الصراع وهو الواجب قد قضى , فليس له قيمة لديها , فهي ذات عاطفة واحدة " كـ " لبنى أباظة " إلا أنها أكثر منها حيوية.
وعند " أباظة " فالموقف الذي وقعت فيه " لبنى " نهب صراع نفسي, هو موقف التخيير بين " قيس " و" كثير " , بعد أن توسط " ابن أبي عتيق " عند " كثير " وهيأ لـ " لبنى " حق الاختيار بين" كثير " و" قيس " , فيتصارع في نفسها الحب والوفاء , وهاجت في نفسها ثورة عارمة وحرب ضروس .
لبنى : لكِ الله يَا نَـفـسِي فأيــةُ ثــورةٍ ضَروسٍ وحربٍ قدْ ضَمنــت عوانِ
تَنازعنِي وحيَان هذَا إلَى الهـَـــوى دَعَانِي وهـذا للـوفـاءِ هدانِــي
أحسُّهمـا في مهجتِـــي وأضَالعِـي يرومـانِ إقـناعِي فـيقْـتــتلانِ
فـواخَـجـلي مازالَ قـلبِي بـإلـفِه وإن صدَّ عنـه دائـمَ الخـفـقـانِ
كـثـيرُ تـرقَّـب أن يـفيءَ لرشـدِهِ فـقـدْ طَالما جَـاهـدتُّه فـعصَاني(2)

إن الصراع هنا بين الحب المقترن بالمجد والشهرة في نفس لبنى , وبين الوفاء غير المقترن بالمجد, أو حب الجدارة , أو الشهرة أو الفضل، بل المقتصر على المعاشرة التي لم تخصب فيها , مقضي فيه على الوفاء بالهزيمة من امرأة مثل لبنى ضعيفة الشخصية ليست مثل " بولين " التي أحبت " سيفير" ولكنها تزوجت " بوليوكت " , ووفت له ، وعندما اعتنق النصرانية ، ورغب عن الملذات الدنيوية ، وهاجم الوثنيين , وكبير الآلهة ، وبدا أنه تائق إلى الموت كعادة المقتنعين الجدد , تنازل عنها لمحبها الشهم " سيفير " لكنها تأبت أن تسمع حديث محبها العذب حتى لا تبعث أولى صبواته عواقب لا تليق(1) ، لقد قدمت " لبنى " الحب عن اقتناع . ويتسلم (كثير) قرارها , ويتفهمه , وقراره كان تطليقها , فقال :

كثير: سـأصدعُ بـالأمـرِ الـذِي تـؤثـريـنَــه كـفَانِــي لبنَـى مالقيتُ كـفَـانِي
قـدْ اخـتـرتِ ما فِي ذاكَ شـكٌّ لمنـصـفٍ لكلِّ كلامٍ مقصــــدٌ ومـعـانِـي
هوَ القـيدُ قـدْ حطَّـمـتهُ عـنـكِ فـانعمِي وإنْ كنتُ ما حطَّمـــتُ غيرَ كِيَانِي
جـرحـتِ إبـائِـي واستـهـنْـتِ بحرمتِي وألبستِنِي في البيدِ ثـوبَ هَــوانِ
فَـبـيـنِي وبـيـنِـي ثـمَّ بـيـنِي ثـلاثةً أَليةَ مقـروحِ الحـشاشـةِ عَـانِ(2)
وعلى هذا فـ " لبنى " هي المرأة المحبة التي تضحي بكل شيء في سبيل الحب ، فقد قدمت الحب على تقاليد القبيلة ، وتحملت إيذاء والدي " قيس " بدافع من حبها له ، وضربت عرض الحائط بواجبها نحو زوجها " كثير " عندما عرض عليها أن تعود ثانية لـ " قيس " ، وهي قبل لم تتزوج " كثير " إلا محافظة على " قيس " الذي أهدر دمه إن ألم بحيهم ، فخشيت أن يحمله ما يجد من حبه على المخاطرة فيقتله أهلها .
" وقيس " لا يقل عنها محبة ، وإن كنا في بعض الأحوال نحس بسلبيته ، إنه يحاول المحافظة على حبه ويتحمل في سبيل ذلك العناء الكثير ، ثم يطلق امرأته رغما عنه ويهيم على وجهه ، ويزوجوه بامرأة أخرى ليسلو " لبنى " ولكنه لا يمسها حفاظا منه على عهده لـ " لبنى " إلى أن تعود إليه ثانية .
إن موقف " لبنى " يشبه موقف " وداد " في مسرحية ( أوراق الخريف ) وقد صارحت زوجها " قاسم " بأنها لم تحبه يوما ، بل جعلت حبها موقوفا على " مهيب " الذي أحبته وحرمت منه .
إن " وداد " عندما يعود إليها حبيبها تتنصل من واجبها تجاه زوجها وابنتها ، وتضرب عرض الحائط بالقيم والتقاليد وقد ظهر ذلك في الحوار التالي بينها وبين " أم الهنا " أخت زوجها :

أم الهنا : ارحمي زوجكِ البريءَ
وداد : دعينــي من بـريءٍ أو مجـرمٍ مفطـورِ
إن يشأْ ضمَّني أو إن شاء خلَّـى أدركِ السَّعـد بالقطـارِ الأخـيرِ
في انفجار وابنتي ؟ أكملي التظاهرَ بالفضـ ـلِ وأدلـي بسمـكِ المـعطورِ
لا أبــالي بهــا ولا بنــديًّ من مُنـاها إنِّـي حزمت أمورِي(1)
إنها تبدو في صورة ( الأناني ) الذي لا يبالي بغيره حتى ولو كان من ذوي القربى ، إنها بمجرد أن عاد إليها حبيبها سعت إليه قلبا وقالبا ، إنها تلتقي بـ " مهيب " وتذكر له أنها لا تأبه بأحد فتلك حياتها ، وليس لأحد أن يتدخل فيها ، إن " مهيب " عندما يفسر لـ " وداد " سبب إعراض " إقبال " عنها ، ويذكر أن السبب في ذلك هو تلك العلاقة القائمة بينهما ترد عليه " وداد " قائلة :
وداد : أيُحنقُهــا أن أذوق النَّعيــم وقـد أوْشـك العمـر أن ينصـرمْ
ومـا حيلـةُ المـرءُ فـي قلبـهِ أنـكبـحُ حـنَّـتـه باللجمْ
في ثورة : أليسـتْ حـيـاتِـي ! ؟ بلـى إنَّهـا فليـس لغيـرِي أن يحتكمْ(2)
بل تظهر " وداد " قانونها في الحياة ، فهي لا تعيش إلا في حدود ذاتها ، ولا تبالي ( بقيل وقال ) تقول :
وداد : لا تـحـفِـلــي بـالـقـيــلَ والـقــال ووارِي شــرَرِه
مــا سـمـعـةُ الـمـرءِ سـوى سـمـعـتِـه فـي نظـرِه
إن يـرضَ عـن مسـلـكـهِ فـــي ســرِّه وجـهــــرِه
فـلـيـزدرِ الـمـبـطـلَ ولـيـتـركْــه فــي مـنـحدرِه(3)
إن الباحث قد يتعاطف مع " لبنى " في اختيارها ، غير أنه لا يجد هذا العذر لـ " وداد " ، وذلك لأن " لبنى " عاشت في كنف " قيس " عشر حجج أو يزيد ، وطلقها مكرها ، ولما تزوجت كان من أجل الإبقاء على حياة " قيس " ، أما " وداد " فقد تزوجت وكانت " إقبال " ثمرة هذا الزواج ، وعلى هذا فالواجب عند " وداد " له ما يقويه ويؤكد بقائه بخلاف " لبنى " ، وعندما انتصر الواجب على الحب لم يكن هذا الانتصار نابعا من قلب " وداد " وإنما أرغمت عليه بهجرة " مهيب " ، فلم تختر الواجب عن جدارة ، بل لأن " مهيب" قد ابتعد عنها .
وعلى هذا فـ " وداد " امرأة محبة عاشقة أبعدت عمن تحب قديما فولد ذلك في نفسها عقدة ( الأنانية ) ، وعندما يعود حبيبها تتمسك به خوفا أن يفلت منها مرة ثانية غير آبهة بقيم ولا واجب ، وكاد بيتها أن ينهدم لولا أن اتخذ " مهيب " قرار الرحيل .
و " مهيب " محب حرم من حبيبته ولكنه محافظ على التقاليد والقيم يعطيها حقها ، ويدور في نفسه صراع بين حبه وواجبه تجاه صاحبه ، ويصف هذا الصراع قائلا :
مهيب : أي إعصـارٍ بنفسـي هَـدَرا ؟ أيُّ بركـانٍ برأسـِي انفجرا
هل عباب اليم في صدري ارتَمى صاخبا . مرتفعا . مُنحدرا ؟
أو كـأمثـال المُـدى قاطـعـةً ذِكَرٌ تزحم فيـه الـذكـرى
عـدت والظـن بنفسي هاجسٌ إنَّ ما شـبَّ بقلبـي فـترا
كان إن بـرَّح بـي لاعـجُــه عـرضَ اليأسُ له فانزجرا
مـلء صدري صبـوة تجتازني وبأخـلاقي امتحـان عسرا
إنـه بيـت صديـقي : فاحمني ربِّ أن أركـب هـذا الغررا
إن تذرنـي رب : آثرتُ الهوى إننـي مـا كنـتُ إلا بشـرا(1)
إنه في غمرة صراعه يعترف أن سلطان الهوى قد استبد به ، ويعلل لذلك أن الضعف من صفات النفس البشرية .
و يترك " مهيب " بيت " قاسم " وذلك لأن الناس قد خاضت في عرضه ، ولكنه يعود إلى " قاسم " ثانية ليسأله أن يطلق زوجته ليتزوجها ، وهذا موقف يشبه موقف " قيس " و " لبنى " ، غير أن الحب أفقد " قيس " السيطرة على نفسه فاتخذ غيره له هذه الخطوة ، أما " مهيب " فهو الذي يتخذها بنفسه . ولكن " مهيب " يختار البعد انتصارا للواجب .
و" العباسة " صورها المؤلف في مواقف متعددة :ـ في موقف المرأة المحبة الوفية لزوجها , وموقف الناصح الأمين لأخيها , وموقف الأم المحبة , إلا أن هذه المواقف ما هي إلا ترجمة خارجية لمحرك أساس يتحكم فيها ألا وهو حبها للأمومة , وتكوين الأسرة , وما يتبعه ذلك من حرص شديد على زوجها , وتفان في خدمته والإخلاص الشديد له , ضاربة عرض الحائط بمركزها الاجتماعي واختلاف أصلها عن أصل الرجل الذي تحب لعروبتها وشرفها وهاشميتها و أعجميته . وهي امرأة تتحكم فيها الدوافع الطبعية التي تتحكم في كل امرأة بغض النظر عن أي اعتبار آخر(2). تقول مخاطبة علية عندما تذكرها بأنها هاشمية :

أتـَــريــنَ الهـــاشــمِـيَّــاتِ جـَـليــداً أمْ حـدِيـــــــدَا
نـســـوةٌ أخــتَـــــــاه يَـحـمــلــنَ قـلـوبـاً وجــلـودَا
ويـريـْـــــن الحـــــبَّ كالـجـنَّـــةِ قــدســاً وخــلــودَا
ورضـِــــى الــرَّحمـــن يــؤتِــيـه مــنَ النَّــاس السعيــدَا
ويـريـْـن الــمَــيــت فـِــي الحـــبَّ وإنْ جـــارَ شهـــيـدَا
فــطــرةٌ تـُـخـــلـــق فــي النَّــاسِ مـلـوكــاً وعـبـيــدَا
إن تــسَــامـــى الهــاشـمـيَّــاتِ بـيـوتـــاً وجــــــدودَا
فـالهـَــــوى أخُــتَــــاه لايـَــــدري فـروقـــاً وحــدودَا(1)
هذه هي فلسفتها في الحب , فالحب يترفع عن الفروق , ويرقى بنفسه عن العصبيات . فهو لا يفرق بين ملك وعبد , وهاشمية وغير هاشمية . ولعل الشيء الذي زادها ألما إلى ألمها , وشوقا إلى شوقها , إبرام الرشيد العقد بينها وبين جعفر , على ألا يستحل منها جعفر إلا النظر أما غير ذلك فلا. فما ظن الرشيد بالعباسة , هل حسبها غير ذات قلب يحب ويهوى ,أم ظنها جلمود صخر لا يعشق .

العباسة: أبــْـرَم العــقـْـدَ بــإيـجَـابٍ صـريـحٍ وقـبَـولِ
ثــمَّ قــالَ الحـلُّ للعـيـنِ ............................(2)

فولد ذلك صراعا داخليا في نفسها. صراعا بين الحب (الذي لديه ما يقويه) والوفاء (الذي ليس لديه ما يقويه) . إنها تريد أن تهنأ بقطاف الهوى الحلال ولكن أنى لها ذلك , فحبيبها ملء ناظريها لكنها لا تستطيع مجاوزة هذا الحد إلى ما أحله الله .

العباسة : إنَّـمَــا الـفـارِقُ بيـنَ النَّـاسِ أخـتَـاهُ وبـيـنِـي
أنَّـنِـي أهـوَى بـنـفـسٍ وبـقـلبٍ ظَـامـئـيــنِ
وحَـبِـيـبـي هـو زَوجـي وهْوَ نـُـــورُ المقلتـينِ
وهــوَ لحـنٌ عـبـقـريٌ قـرَّ بـيـنَ الشَّـفـتـيــنِ
وهو ظلُّ الله في عيـنِي ومِـــلءُ الخـافِـقَـيـــنِ(3)
إن الباحث يلمح من الوهلة الأولى أن " العباسة " سوف تقدم الحب على الواجب ، وقد وضع المؤلف مبررات درامية كثيرة لهذا ، فالحب لديه ما يقويه وهو العقد الذي أبرم إضافة إلى أن " العباسة " قد أحبت " جعفر " وتدلهت في حبه ، أما الواجب فليس لديه ما يقويه .
إن " العباسة " جسدت في نفسها وبينت أن الأميرات وبنات الملوك نساء لهن قلوب تنبض بالحب ، إنها امرأة كأية امرأة فلماذا أغفل الرشيد هذا الجانب ؟
و" أباظة " يدافع عن " العباسة " وذلك بذكره لهذا العقد الذي أبرم ، حتى يقوي جانب الحب بالمقارنة بجانب الواجب
إن " العباسة " قد عزمت على نصرة الحب على الواجب ، وكان لزاما أن يقوى عندها الواجب أسوة بـ " ليلى " فهي على الرغم من أنها أميرة هاشمية تقبل الزواج من أعجمي وكان يفترض أن ينتصر ا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Admin
Admin



عدد المساهمات : 37
تاريخ التسجيل : 14/08/2011

نمـــوذَجُ المحِـــبِّ الـــوَلهــَــانِ في مسرح عزيز أباظة  Empty
مُساهمةموضوع: نمـــوذَجُ المحِـــبِّ الـــوَلهــَــانِ في مسرح عزيز أباظة   نمـــوذَجُ المحِـــبِّ الـــوَلهــَــانِ في مسرح عزيز أباظة  Emptyالسبت سبتمبر 10, 2011 11:03 am

د/ عبد الرحمن شكرا كثيرا على مشاركتك....ولكن لى سؤالا واريد منك الاجابة هل هذه المواضيع ابحاث او ملخصات رسائل ام ما هى نوعية هذه المواضيع..حيث ان النتدى قائم على نشر ملخصات الابحاث والرسائل...فاذا كان هنا مسى لهذه المواضع غير ذلك نرجو ان ترسله لنا ونفرد له مجموعة خاصة ينشر فيها.

وشكرا ادارة المنتدى
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://summary-msc-phd.forumegypt.net
دكتور عبد الرحمن فايد
Admin



عدد المساهمات : 3
تاريخ التسجيل : 09/09/2011

نمـــوذَجُ المحِـــبِّ الـــوَلهــَــانِ في مسرح عزيز أباظة  Empty
مُساهمةموضوع: رد: نمـــوذَجُ المحِـــبِّ الـــوَلهــَــانِ في مسرح عزيز أباظة    نمـــوذَجُ المحِـــبِّ الـــوَلهــَــانِ في مسرح عزيز أباظة  Emptyالسبت سبتمبر 10, 2011 10:35 pm

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،
في الحقيقة هذا ليس ملخصا لبحث ولا وإنا هو مبحث من رسالة خاصة بي ، فأخذت جزءا منها ونشرته ،،،،،،،،،،،،،،، والرسالة بعنوان ( النموذج البشري في مسرح عزيز أباظة )
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
نمـــوذَجُ المحِـــبِّ الـــوَلهــَــانِ في مسرح عزيز أباظة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
Dr. Mahdy Hamed :: كلية اللغة العربية-
انتقل الى: